Tuesday 11 September 2012

النفط والغذاء ايهما الاهم ؟

 
في العقد السادس من عمرك يكرمك سبحانه بقابليات ومزايا كثيرة لم تكن تتحلى بها في المراحل الاولى من عمرك, واهم ميزة هي انك لاتأخذ كل شىء تسمعه بجدية ولاتنفعل " وتطنش على ماتسمعه". ولكني لم اتمكن ان( اطنش ) على تعليق احد الذين ابتلى بهم العراق لادارة دفة حكمها ,حينما قال بإننا لا نحتاج للزراعة لان عندنا نفط. للوهلة الاولى كنت اظن بإنه يمزح ولكن اعماله وقراراته اللاحقة اثبتت بإنه يؤمن بما قال وانه مبهور بالثروه النفطية .ولعلم الاخ المسئول فان العولمة قد وطدت العلاقة بين الزراعة والنفط واي تغير في احداها يؤدي الى رد مغاير في الاخر.
إالتطورات الاخيرة في قريتنا الصغيرة والتي تسمى الكرة الارضية قد اثبتت وبشكل قاطع العلاقة المتينة بين النفط والذي سنسميه  الوقود الحيوي والزراعة التي سنسميها الامن الغذائي وبما اننا نعيش في هذه القرية لذا يجب ان نستعمل مصطلحات اكثر عولمة من كلمتي الزراعة والنفط.
في موسم الصيف الحالي حصل ارتفاع حاد في اسعار الذرة والقمح وفول الصويا في الاسواق العالمية وقد شهدت اسواق الاغذية العالمية خلال السنوات الخمس الماضية ثلاثة ارتفاعات حادة مشابهة لما حدث في هذا الصيف وكل ذالك ماهي الا مؤشرات ودلائل قاطعة على ان ايام الاغذية الرخيصة قد ولت وبلا رجعة والمطلوب هو اخذ الاحتياطات والاستعداد لمواجهة هذه التطورات السريعة التي تواجه امننا الغذائي محليا وعالميا.

 احدى اهم اسباب مانواجه من تحديات في الامن الغذائي هي الكثرة السكانية لعالمنا هذا ولا عجب من ذالك اذا كانت أنفاس عالمنا تزداد بنسبة 1% سنويا اي مايعادل ال 70 مليون انسان كل عام. ولتوضيح الوضع المزري الذي نحن فيه فإن نفوس العالم يزداد سنويا بمايعادل مجموع نفوس كل من بلجيكا واليونان والبرتغال والمجر والنمسا و بوليفيا و جمهورية الجيك مع بعض.
وما زاد الطين بلة ايضا هو التطور الاقتصادي الهائل لبعض الدول النامية مصحوبة بشهية غذائية غير معهودة لمليارت البشر التي تقطن تللك الدول. فعلى سبيل المثال فان التطور الاقتصادي الصيني يبلغ 9% سنويا وان هناك دول اخرى مثل الهند والبرازيل تشهد هي الاخرى تطورات سريعة وتحسن في عاداتها الغذائيه

العادات الغذائية لهذا الكم من البشر يتغير بسرعة مقلدة العادات الغذائية الغربية وذلك باستهلاكها لكميات من البروتين الحيواني اكثر بكثير مما كانت متعودة عليه حتى العقد او العقدين السابقين. أن هذه الكتل البشرية اصبحت مستهلكة ومستحوذة على سوق الاغذية بعد ان كانت مصنفة كدول منتجة للغذاء وتزود السوق العالمية بالاغذية .

أن اول ما تتأثر بهذه التغيرات الكونية هي ارتفاع اسعار اللحوم بكافة انواعها. انتاج كيلو جرام واحد من لحم البقر يحتاج الى 7 كيلو جرامات من الحبوب وانتاج كيلو جرام من لحم الخنازير يحتاج الى 4 كيلو جرامات من الحبوب. و تعتبر الحبوب هي العنصر الرئيسي المكون للعلف المستعمل في تغذية الدواجن والابقار والخنازير. وان الحبوب هي القاسم المشترك بين علف الحيوانات وغذاء البشر. هناك ضغوطات شديده على توفير وزيادة انتاج الحبوب لتغذية البشر والحيوانات. انتاج الوقود الحيوي من الذره وزيادة وتيرة انتاجها في السنوات الاخيرة في امريكا و اوربا قد ادت بلاشك الى التقليل من كميات الحبوب المتواجدة في الاسواق للاستهلاك البشري وعلف للحيوانات التي تستهلك هي بدورها كغذاء للبشر.


الانتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني قد تحسن في العقود الاخيرة ولكن التحسن وزيادة الانتاج لاتفي بالاحتياجات المتزايدة لتعذية سكان الكرة الارضية. و من اهم المعوقات التي يواجها القطاع الزراعي هي الجفاف والذي اخذ يزداد حدة وتطول فتراته. ان الزيادة السكانية لو استمرت على الوتيرة الحالية فإنتاج الغذاء يجب ان يزداد بنسبة 50% على ماهو عليه الان في عام 2030. ان مساحة الارضى الزراعية المتوفرة للفرد الواحد , في اي بقعة من العالم, تنكمش بسرعة هائلة. وان التوسع الافقي في القطاع الزراعي العالمي اصبح محدودا جدا واما التوسع االعمودي للانتاج الزراعي, اي زيادة انتاجيه النبات والحيوان, فهي الاخرى اخذت حدودها الطبيعية وان المحاولات الجارية الان لزيادتها اكثر ربما تترك اثارا سلبية وخطيرة على صحة المجتمعات الاستهلاكية.
 

ان محصول الذرة الامريكي الواقع بين سندان الامن الغذائي ومطرقة الوقود الحيوي قد نقص عما كان متوقعا ب 100 مليون طن هذه السنة وذالك بسبب الجفاف.أن هذا النقص الهائل للذره من الاسواق العالميه قد ادى الى زياده في اسعار القمح الذى لم يتأثر محصوله بسبب الجفاف. وقد ادى ذالك الى ارتفاع اسعار كل من هذين المحصولين عالميا بمقدار 100 دولار امريكي للطن الواحد. ألغريب والعجيب ان حدوث جفاف في بعض الولايات الامريكية ادت الى زيادة في سعر رغيف الخبز في كل ارجاء المعمورة.هذا هو الواقع المر الذي يجب ان نواجهه جميعا.

تقارير البنك الدولي والفاو تؤكد  على ان اسعار الغذاء قد ارتفع بنسبة 10% في شهري حزيران\يونيو وتموز\يوليو وان ارتفاع هذا العام اكثر من ارتفاع الاسعار في عام 2011.


اننا نعرف جميعا بإن اسعار اللحوم تنخفض في اسواقنا المحلية حال ظهور بوادر جفاف او قحط في مناطقنا وسبب ذلك هو ان قلة العلف للحيوانات ترغم المربين الى الخلاص من حيواناتهم قبل نفوقها من الجوع والعطش وتعقب ذلك زيادة في اسعار اللحوم نتيجة لقلة المعروض منه في الاسواق.  الاسواق العالمية للحوم الحمراء والبيضاء تتفاعل مع ازدياد اسعار العلف بنفس الطريقة التي يتعامل بها الراعي البسيط عندنا مع حيواناته. هذا معناه اننا سنواجه موجة اخرى من ارتفاع اسعار اللحوم.

سواء قبلنا او رفضنا فان سعر ومصير السلعة الغذائية لاي عائله و في اي موقع من عالمنا يتأثر بما يحصل في دول بعيدة وربما العائلة المنكوبة بمحتويات واسعار سلتها الغذائية لم تسمع بإسماء تلك الدول. ان الاعاصير والفيضانات و الجفاف وموجات الحرارة العالية وحرائق الغابات والتسونامي وحيث ماوقعت كلها توثر سلبا على مايضع على موائدنا وان السنوات القادمة ستكشف لنا مصداقية هذه العلاقة.

يتوقع الكثير بإن الولايات المتحدة ستواجه فترات جفاف متعاقبة في السنين القادمة حيث ستؤثر سلبا على مخزون الحبوب عالميا. وان الاهتمام الامريكي ينصب الان بانتاج الوقود الحيوي محليا من الحبوب وذالك لزيادة اسعار البترول وعدم ضمان استمرارية انتاجه في دول غير مستقرة. لذا وضعت امريكا مصالحها الوطنيه كأولوية تسبق متطلبات السوق العالمية للحبوب والغذاء.  امريكا رغم خسارتها ل14 مليار دولار في عام 2011 بسبب الجفاف وتأثيره على انتاج الحبوب .في هذه السنه ستحول معامل التقطيرالامريكيه 120 مليون طن من الذره الى وقود حيوي. ان الانتاج سيبلغ (خمسة عشر15.2) مليار جالون وان (ثلاثة عشر 13.4) مليار جالون سينتج من الذره. ان اكبر المناوئين لهذا هم مربي الحيوانات والدواجن.

وللحد من مشكلة الامن الغذائي وهي من اهم المشاكل التي تواجه البشرية و ستزيد ضراوة على مر السنين فان هناك حلين لا ثالث لهما وهي اما ان نحدد النسل في العالم بشكل جدي او ان نغير طباعنا الغذائية. هناك حلول مقترحة كثيرة لتحسين الوضع الغذائي ولكنها كلها حلول غير عملية على المدى الطويل ولا تستجيب للمطالب الغذائية لعالم يزداد ب 70 مليون فم سنويا.


No comments: